تحولات كبيرة وعنيفة.. تغيرات اجتماعية واقتصادية.. عادات تغيرت وأخرى تتغير منذ تفشى فيروس كورونا وبدء إجراءات ا

كورونا,مصر

عاجل
رئيس التحرير
إيمان عريف
رئيس التحرير
إيمان عريف
بعد كورونا.. مسار إجبارى

مقال من أرشيف المجلة - عدد يوليو 2020

بعد كورونا.. مسار إجبارى

تحولات كبيرة وعنيفة.. تغيرات اجتماعية واقتصادية.. عادات تغيرت وأخرى تتغير منذ تفشى فيروس كورونا وبدء إجراءات احترازية للحد من انتشاره على المستوى الدولى، لم يكن لدى الحكومات ما تقدمه سوى محاولات الحد من انتشاره على المستوى الصحى واتخاذ إجراءات اقتصادية فى محاولة للحد من الآثار السلبية المترتبة على وجوده، تضمنت العديد من التغيرات على جميع المستويات بدءًا من السياسات الصحية والاجتماعية، واتسعت لتشمل السلوك المالى والإدارى للمؤسسات الحكومية والخاصة، والبحث المتواصل عن أدوات جديدة أكثر كفاءة وأقل ضررًا للإدارة والتواصل، وفى ليلة وضحاها تحول المنزل إلى مدرسة أو شركة أو مؤسسة صغيرة، وأصبح من الممكن بكل بساطة تلقى التعليم عن بُعد أو العمل من المنزل، فالعالم كله أصبح يدار بتكنولوجيا الاتصالات.



لا شك أن الأحداث التى شهدها العالم بسبب «كوفيد- 19» تسببت فى تغيير شامل فى نمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والتى ستغير ملامح العالم فى المستقبل القريب، حيث ظهرت سبل جديدة للتواصل والتسويق، وسياحة المؤتمرات والمعارض والتجارة وسلوكيات الحياة والعمل والعمالة.. الخ.

وهنا نرصد ثقافة العمل ما بعد جائحة كورونا، وكيفية التعايش معها وخلق طرق جديدة للتسويق والعمل فى جميع المجالات التى كانت تعتمد على التواصل المباشر بين الأفراد، وما هو مرتبط بشكل مباشر بالاقتصاد والتكنولوجيا وفكرة تطبيق التواصل عن بعد.

ورغم ظهور المبادئ العامة للتواصل الإلكترونى، سواء على المستوى الاجتماعى أو الاقتصادى، إلا أن عدم توافر البنية التحتية المناسبة والثقافة المجتمعية للاستخدام، بالإضافة إلى ضرورة تدريب كوادر بشرية للتطبيق، كانت وراء عدم الاعتماد الكامل على تلك الوسائل كما كانت وراء الخطى البطيئة التى اتخذت خلال الأعوام القليلة الماضية فى هذا المجال، ورغم الآثار السلبية غير النهائية لانتشار الوباء العالمى إلا أنه قد فرض ثقافة جديدة وأحدث ثورة تكنولوجية فى وسائل التواصل دون تمهيد أو مقدمات، والتدريب على كيفية التعايش مع تلك الثقافة الجديدة وخلق طرق جديدة للتسويق والعمل الإلكترونى، ليصبح التحول الرقمى فى جميع المجالات حقيقة واقعة والتسويق الإلكترونى سمة حياة، والمبيعات الافتراضية عنصرًا أساسيًا لاستقرار السوق وبقاء الأعمال.

ولكن السؤال الذى يفرض نفسه: هل سيقضى نمط الحياة الجديد على فرص العمل فى مجالات محددة، وتقليل عدد كبير من العمالة فى بعض الوظائف التى كانت تحتاج تواجد وتواصل مباشر مع الجمهور؟ وتغير نمط الحياة بالعمل من البيوت، مع تقليص العمالة لأقل من نصف الطاقة البشرية فى بعض الوظائف؟ بالإضافة إلى شروط التباعد الاجتماعى فى مجالات العمل التى تحتاج قوى بشرية؟ الإجابة شاهدناها ولمسناها خلال التعامل مع أزمة جائحة كورونا، حيث اضطرت بعض الشركات إلى الاستغناء عن عدد كبير من الطاقة البشرية خاصة فى القطاع الخاص، ليس فى مصر فقط، بل فى كبرى دول العالم، ومنها شركات عالمية ومتعددة الجنسيات وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فقد أعلنت شركة «إنديتكس» الإسبانية المالكة لمحال «زارا» للملابس الجاهزة، أنها أغلقت 3785 فرعًا لها فى جميع أنحاء العالم بسبب تفشى فيروس كورونا، بعد تراجع حجم مبيعاتها بنسبة 24.1% خلال أسبوعين مع مطلع مارس الماضى، وهذا يرجع للتباطؤ الحالى فى الأسواق المحلية والعالمية، والذى وصل فى بعض الأحيان إلى الركود التام.

قد تكون التغيرات التى شاهدناها خلال الشهور الماضية ملامح من العصر الاقتصادى الجديد الذى طرق أبواب كوكبنا بدون دعوى أو سابق إنذار، لكن تظل ملامح هذا العصر الجديد الكاملة غير واضحة ولابد لنا من دراسة وسائل التكيف مع ظروف السوق الجديدة وتقديم الخدمات الافتراضية ووضع فهم أعمق لخريطة الاستثمار العالمية لسنوات مقبلة، لا شك أننا سنرى ضخ المليارات فى الاستثمارات المرتبطة بالتكنولوجيا وتعزيز الطرق الذكية فى التواصل، وترسيخ فكرة العمل البديل.. وإستراتيجية جديدة ستتبعها معظم الشركات العالمية بفكرة خفض التكاليف المتعلقة بتشغيل المساحات المكتبية، مما يترتب عليه تحقيق أرباح أكثر وتأمين الإيرادات وتكاليف أقل ورقمنة نظم الأعمال بالشركات.

كما ستشهد مصر موجة جديدة من التحول للتجارة الإلكترونية فى جميع المجالات، والتى سوف تؤدى إلى ظهور اتجاهات جديدة فى سوق التجزئة المحلية، ودمج التقنيات الجديدة للتواصل مع المستهلك عبر الوسائل الرقمية المختلفة.

ولا شك أن خريطة العالم لن تتغير فقط من حيث الاستخدام التكنولوجى، بل ستتغير اقتصاديات دول ناشئة، لن تبقى مفاهيم الاقتصاد التقليدية على القمة ولن تبقى خريطة الاقتصاد العالمى على وضعها الذى نعرفه وستتحول اقتصاديات ناشئة لتحتل مقعدها ضمن الدول العشرين الكبرى خلال العامين القادمين، ومصر من ضمن هذه الدول المصنفة والتى سيتحول اقتصادها سريعا.

ومن المؤكد، أننا وصلنا الآن إلى مرحلة، أصبح فيها التحول الرقمى.. «مسار إجبارى» وعلى الجميع أن يعمل على تطوير ذاته لكى يستطيع التعامل مع هذه المنظومة.